يتزايد النقاش في المغرب حول نظام دعم غاز البوتان الذي يعتبر من الأساسيات في الحياة اليومية للمواطنين. وفي الآونة الأخيرة، تصاعد الجدل بشكل لافت عندما انتشرت أخبار تفيد بارتفاع محتمل في أسعار قنينة الغاز الكبيرة من 50 درهماً إلى 60 درهماً، وهو ما أثار حالة من القلق بين المواطنين وأعضاء البرلمان. وقد تجسدت هذه المخاوف في العديد من التساؤلات حول مدى تأثير هذا الارتفاع المحتمل على القدرة الشرائية للفئات الفقيرة، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة.
وفي جلسة خاصة بمجلس النواب، أكد فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، أن الحكومة ليس لديها خطط لرفع الأسعار في الوقت الراهن، ما خفف من حدة القلق المنتشر. إلا أن هذا التصريح لم يخفف من الأسئلة حول فعالية نظام الدعم في معالجة الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المغرب. ففيما يتعلق بتوزيع الدعم على المواطنين، فإن الحكومة تخصص أكثر من 15 مليار درهم سنويًا لدعم غاز البوتان، وهو مبلغ ضخم يهدف إلى تخفيف العبء عن الفئات الفقيرة والمحتاجة.
ومع ذلك، كشف لقجع عن وجود اختلالات كبيرة في كيفية توزيع هذا الدعم، حيث أكد أن 20% فقط من المواطنين الفقراء يحصلون على 14% من الدعم المخصص لغاز البوتان. في المقابل، تستفيد الفئات الأكثر غنى من 27% من هذا الدعم. هذا التفاوت الواضح في توزيع الدعم أثار تساؤلات حول مدى فعالية النظام في تحقيق العدالة الاجتماعية. إذ يتضح أن الدعم لا يوجه بشكل صحيح إلى الفئات الأكثر حاجة، مما يعيق تحقيق الأهداف المنشودة من وراء هذا النظام.
كما أشار لقجع إلى أن هذا التفاوت لا يقتصر فقط على غاز البوتان، بل يمتد ليشمل مواد أساسية أخرى مدعمة مثل الدقيق والسكر. هذه الأرقام تشير بوضوح إلى أن الهدف الرئيس من الدعم، وهو مساعدة الفئات الفقيرة، لم يتحقق بالشكل المطلوب. ويعد هذا الوضع إشكالية رئيسية يجب معالجتها بشكل عاجل لتحقيق العدالة في توزيع الدعم.
وفي خطابه، دعا الوزير المنتدب إلى ضرورة البحث عن آليات أكثر فعالية لضمان وصول الدعم بشكل مباشر إلى الفئات المستحقة. وأوضح أن “الإشكال اليوم ليس في زيادة الدعم أو تقليصه، بل في إيجاد الطرق المثلى لضمان استفادة الطبقات الفقيرة”. ويبدو أن الحل يكمن في تبني نظام الدعم المباشر، الذي يوجه الدعم مباشرة إلى الأشخاص المستحقين له دون الحاجة إلى الوساطة عبر شركات أو هيئات حكومية.
لكن التحول إلى نظام الدعم المباشر يواجه تحديات عدة، خاصة في بلد مثل المغرب حيث يعتمد جزء كبير من السكان على المواد المدعمة بشكل يومي. قد يؤدي الانتقال إلى هذا النظام إلى بعض التأثيرات السلبية على الفئات الهشة إذا لم يتم ضمان انتقال سلس وآمن. كما أن بعض الفئات التي تستفيد حالياً من النظام القائم قد تقاوم التغيير خوفًا من فقدان الدعم الذي تحصل عليه.
رغم هذه التحديات، فإن الحكومة تبدو عازمة على إصلاح نظام الدعم وتحسينه لتحقيق العدالة وتقليص الهدر المالي. ومن خلال هذا التحول، تأمل الحكومة في الوصول إلى نظام أكثر فعالية وشفافية يقلل من الفوارق ويزيد من دعم الفئات الأكثر احتياجًا. ولكن، يتبقى السؤال الكبير: هل يمكن للمغرب تحقيق التوازن بين دعم الفئات المحتاجة مع ضمان استدامة الموارد المالية للدولة؟
تتطلب الإجابة عن هذا السؤال توفير رؤية شاملة للإصلاحات اللازمة والقدرة على تنفيذها بشكل عملي، مع مراعاة الاستقرار الاجتماعي وعدم الإضرار بالفئات الأكثر هشاشة. وبينما يطمئن لقجع المواطنين بأن أسعار الغاز لن ترتفع في الوقت الحالي، إلا أن النقاش حول مستقبل نظام الدعم في المغرب سيظل مستمرًا في ظل التحديات الاقتصادية التي يواجهها البلد.
1
2
3