تربية الأطفال من أصعب المهام التي يختبرها الوالدين خاصة مع التطور التكنولوجي المتزايد وما أصبح يشكله عالم الأنترنت من خطر على أطفالنا إن لم نحسن التعامل معه كمربيين. ويعتبر عالم الأنترنت الافتراضي مكاناً مثيراً يلفت فضول الأطفال والمراهقين فينساقون في دروبه تصفحاً وبحثاً عن كل ما هو جديد. قد يعتري هذا التصفح عدة مشاكل كالتحرش، كما قد يؤدي إلى بعض الإضطرابات السلوكية المتمثلة في الادمان على الانترنت.
لكي نعي حجم هذه الظاهرة، يكفي أن نعرف مثلاً أن المراهق الأوروبي يقضي أزيد من 15 ساعة أسبوعياً في تصفح صفحات الأنترنت وهو ما يجعل الوالدين في حيرة من أمرهما. هل يقومان بمنع المراهق من ولوج هذا العالم بشكل تام؟ أم يكفي أن تكون هناك مراقبة أبوية لطبيعة المواد المتصفحة؟ وكيف يمكن للآباء تحسيس المراهقين بمدى خطورة هذه الشبكة على نفسيتهم ومستقبلهم. سنحاول الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها من خلال الأسطر التالية.
ما هي طبيعة مخاطر الأنترنت المحدقة بالمراهقين: سواء تعلق الأمر بالألعاب الإلكترونية المباشرة، أو العوالم الافتراضية التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي، فإن الخطر الكبير والهاجس المخيف الذي يشغل بال الوالدين هو هوية الأشخاص الذين يتعامل معهم الطفل وطبيعة الحوارات التي يتم تداولها. فلا يمكن البتة التكهن بمن يوجد خلف شاشة الطرف الآخر، هل هو طفل صغير آخر أو مراهق يبحث عن قضاء وقت ممتع أو وحش آدمي يتربص بالأطفال لحاجة دنيئة في نفسه؟
كما أن طبيعة المواضيع المعروضة قد تصدم نفسية الطفل، فلا يمكن لأي كان منع عرض بعض الصفحات التي تقدم محتويات إباحية أو تحرض على العنف أو تدعو إلى تيارات طائفية متطرفة أو إرهابية. فالإحصائيات تشير إلى أن أزيد من %90 صادفوا مثل هذه المحتويات مرة واحدة أو أكثر خلال تصفحهم للشبكة العنكبوتية.
تمثل مواقع التواصل الاجتماعي مرتعاً خصباً لانتشار المهووسين بالجنس والعنف وهو ما قد ينمي هذا الجانب في شخصية المراهق، خصوصاً وأن حياة الأطفال لا تخلو من بعض المشاكل والمشاجرات التي تنشب بين الأقران بسبب العنف اللفظي أو الجسدي. كما أن هناك بعض المختلين الذين قد يؤثرون على نفسية بعض الأطفال ويجعلونهم يقدمون على الانتحار في نهاية المطاف.
الخطر الأكثر تربصاً بالمراهقين والأطفال، يتمثل في الإدمان على الأجهزة الإلكترونية بشكل مفرط، وهو ما يؤثر سلباً على القدرات التواصلية والمهارات الاجتماعية التي ينبغي أن تسهل من اندماج الطفل في المجتمع بشكل سلس وسليم. كما أن البحث عن الشهرة الإلكترونية والارتباط بالصورة الافتراضية التي تسمح للطفل برسم ملامح شخصيته كما يحلو له، يجعلانه يدخل في دوامة من الإحباط كلما قرر الرجوع إلى الواقع.
هوية الأشخاص الذين يتعامل معهم المراهق عبر الإنترنت: تشير الأرقام إلى أن أكثر من ربع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 9 و17 سنة يتواصلون مع أشخاص مجهولي الهوية. حيث يتخذ الأشخاص ذوي الميولات الجنسية الشاذة من منصات الألعاب المباشرة ملاذً يمكنهم من تحديد فريستهم من الأطفال بشكل لا يلفت الأنظار ولا يدع مجالاً للكشف الصريح عن هوياتهم.
هكذا، يقومون باستدراج الأطفال، سواء بغرض لقائهم شخصيا والاعتداء عليهم جنسيا أو بغرض إرغامهم على تزويدهم بصور في وضعيات جنسية مخلة يتخذونها فيما بعد وسيلة لابتزازهم مادياً أو معنوياً أو يقومون ببيع هذه المحتويات المخلة فيما بعد على مواقع مخصصة لهذه الأغراض.
هذا لا يعني أن الطفل يوجد دائماً في خانة المرغمين في مثل هذه الحوادث، فقد يكون أيضاً من بين المحرضين لهذه التصرفات أو المعجبين بها. وذلك من خلال تسجيله للإعجاب بمثل هذه المحتويات أو نشرها على العالم الافتراضي وهو ما يؤثر سلباً على شخصيته، لكنه في جميع الحالات يظل ضحية سوء إستعمال هذه الوسائل وقلة مراقبة المربيين له سواء الوالدين أو المدرسة أوغيرها.
الخطة الثلاثية لحماية الطفل من مخاطر العالم الإفتراضي: تقتضي حماية الطفل من المخاطر المحتملة في رحاب الشبكة العنكبوتية وضع أسس متينة لتواصل فعال بين الآباء والأطفال. يعتقد العديد من الأطفال بأن أبويهم لا يعيرون أي إهتمام للمحتوى الذي يتصفحونه في الانترنت، بل هناك شريحة هامة من الأطفال ترى أن الأبوين يتخلصان من إزعاج الطفل عبر السماح له بدخول الأنترنت، من ثم فليست هناك أي رقابة على ما يجب فعله في هذه الشبكة. من أجل هذا، ينبغي للآباء أن يرسموا الحدود والخطوط الحمراء وأن يضعوا القواعد التي ينبغي تتبعها وذلك منذ أول مرة يلج فيها الطفل إلى هذه الشبكة.
منع الطفل قبل سن الثماني سنوات:تتمثل الخطوة الأولى في منع الطفل في مرحلة طفولته المبكرة من ولوج هذا العالم، نظرًا لاحتياجه لتكوين شخصيته واكتساب مهارات التعامل الاجتماعي والتواصل وهو الأمر الذي لا تسمح به هذه التكنولوجيا وتجعله يميل إلى الانطوائية والانعزالية.
مواكبته عند بداية اكتشافه لعالم الإنترنت:عند بلوغه سن الثامنة، يمكن السماح له بتصفح الأنترنت، شريطة أن يكون مرافقاً بأحد الأبوين، حتى يتعلم كيفية ولوج المواقع السليمة ويتمكن من تمييز الأمور الضرورية المتعلقة بحماية معلوماته الشخصية حتى لا يقع فريسة سهلة للمتربصين.
ترك هامش من الحرية مع بداية المراهقة: إذا تمكن الطفل من استيعاب الأمور السابقة ولاحظتِ أنه يتعامل مع القواعد التي رسمتها له بشكل فعال ومسؤول، يمكنكِ أن تبدئي في ترك مجال للحرية ابتداءً من سن 13. يمكنكِ السماح له بإنشاء حساب على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن يجب أن يشعر دوماً بمراقبتكِ له واهتمامكِ بالمحتوى الذي يتصفحه. يمكن للوالدين استعمال بعض برامج الحماية الموجهة للآباء للتقليل من مخاطر الويب في هذه المرحلة، خصوصاً فيما يتعلق بالمواقع الإباحية ومواقع الألعاب أون لاين.
1
2
3