في إطار سعي المملكة المغربية لتطوير منظومتها القانونية لمواكبة التحولات المجتمعية والتشريعية، كشف وزير العدل عبد اللطيف وهبي في لقاء تواصلي بالعاصمة الرباط عن أبرز التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة، والتي جاءت تأسيساً على مقترحات الهيئة المكلفة بالمراجعة وبالتشاور مع المجلس العلمي الأعلى. هذه التعديلات، التي شملت 139 مقترحاً موزعة على جميع كتب المدونة السبعة، تهدف إلى تحقيق العدالة الأسرية وتعزيز حماية الحقوق في ظل التطورات الراهنة.
1
2
3
التعديلات المتعلقة بتعدد الزوجات شكلت أحد المحاور الرئيسية، حيث اقترحت إلزامية تضمين رأي الزوجة حول اشتراط عدم التعدد أثناء توثيق عقد الزواج. وفي حال اشتراط الزوجة عدم التعدد، يصبح الزوج ملزماً بالوفاء بهذا الشرط. أما إذا لم يتم الاشتراط، فإن التعدد سيقتصر على حالات استثنائية محددة، مثل إصابة الزوجة الأولى بالعقم أو بمرض يمنع المعاشرة الزوجية، على أن تُخضع هذه الحالات لتقدير القاضي وفق معايير قانونية دقيقة.
إصلاحات النيابة القانونية والحضانة والإرث
ركزت التعديلات على جعل النيابة القانونية حقاً مشتركاً بين الزوجين أثناء العلاقة الزوجية وبعد الانفصال، مع وضع آلية للرجوع إلى قاضي الأسرة في حالة نشوء خلاف. كما نصت المقترحات على اعتبار الحضانة حقاً مشتركاً بين الأبوين أثناء الزواج، مع إمكانية تمديد هذا الحق بعد الطلاق إذا تم الاتفاق بين الطرفين. وتم تعزيز حقوق الأم المطلقة في حضانة أطفالها حتى في حالة زواجها، مع ضمان توفير السكن للمحضون وتنظيم ضوابط واضحة لزيارة الطفل أو السفر به، بما يراعي مصلحته.
فيما يتعلق بالإرث، تمت الموافقة على مقترح المجلس العلمي الأعلى الذي يسمح بهبة الأموال للوارثات أثناء حياة المورث، مع اعتماد الحيازة الحكمية كافية. كما فتحت التعديلات المجال أمام الوصية والهبة بين الزوجين في حالة اختلاف الدين، مما يعكس مرونة أكبر في التعامل مع هذه المسائل.
إجراءات جديدة لتنظيم زواج القاصرين
ضمن مساعي الحد من زواج القاصرين، تم تحديد سن الزواج في 18 سنة شمسية كاملة كقاعدة عامة، مع السماح باستثناء محدود في سن 17 سنة، شريطة توفر ضمانات صارمة لحماية القاصرين. وأكدت التعديلات ضرورة تعزيز الرقابة القضائية لضمان عدم خروج هذا الاستثناء عن نطاق الحالات الضرورية فقط.
تسهيلات في توثيق الزواج
شملت التعديلات تسهيلات جديدة تتعلق بتوثيق الزواج، حيث أُدرجت إمكانية توثيق الخطبة، مع اعتماد عقد الزواج كوسيلة وحيدة لإثبات الزوجية كقاعدة عامة. كما أُعيد النظر في الإجراءات الشكلية والإدارية لتوثيق زواج الأشخاص ذوي الإعاقة، وتم السماح بعقد الزواج بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج دون حضور الشاهدين المسلمين في حال تعذر ذلك.
اعتماد تقنيات حديثة لتسريع الإجراءات القضائية
في إطار تحسين فعالية المنظومة القضائية، نصت التعديلات على تقليص مدة البت في قضايا الطلاق إلى ستة أشهر كحد أقصى. كما تم اقتراح اعتماد وسائل إلكترونية لتوثيق العقود وإبلاغ القرارات القضائية، بالإضافة إلى إنشاء هيئات للوساطة والصلح بهدف معالجة النزاعات الأسرية قبل اللجوء إلى القضاء.
إشادة ملكية ودعم شرعي
خلال اللقاء، أشار وزير العدل إلى تنويه جلالة الملك بأعضاء الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة، مثمناً الكفاءة والموضوعية التي أظهروها في صياغة مقترحات التعديل. كما أبرز الدور البارز للمجلس العلمي الأعلى في تقديم رأيه الشرعي الاجتهادي، مؤكداً على التزام المؤسسة الشرعية بضوابط الشريعة الإسلامية التي تضمن عدم تحريم الحلال أو تحليل الحرام.
أهداف التعديلات ومتطلبات المرحلة
تسعى هذه المراجعات إلى معالجة النقائص والاختلالات التي ظهرت خلال التطبيق العملي لمدونة الأسرة، مع مواءمتها لمتطلبات التنمية المستدامة والتطورات التشريعية الوطنية والدولية. وأكد وزير العدل أن الهدف الرئيسي من هذه التعديلات هو صياغة مدونة عصرية تستجيب للتحولات المجتمعية، وتضمن تعزيز مكانة المرأة وحماية حقوق الطفل، مع الحفاظ على كرامة الرجل، بما يعكس رؤية المغرب الحديثة في مجال الأسرة والمجتمع.