حوار مع نفسي
قالت بحسرة : فعلا لا حظ لي في هذه الحياة..!!
قلت : استغفري الله واذكري نعم الله عليك .
قالت : أستغفر الله العظيم ..ولكني فعلا مقهورة ..ولا أرى في هذه الساعة غير حلكة ليل بهيم …
قلت : أعوذ بالله .. {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}
قالت : اسأليني قبلا عن مشكلتي إذ ذاك ستوقنين بأني لا أبالغ في مشاعري ..
قلت : أعلم أن هذه المشاعر السلبية هي نتيجة مشكلة ما ثم إني أخفف عنك وليس من طبعي أن أسأل حتى أرى رغبة الآخر في البوح ..
قالت: ليت بوحي بما في قلبي يخفف بعضا مما أحمله فلقد اسودت الدنيا بوجهي والله ..
قلت : هات ما عندك ولكن استغفري الله أولا فسيخفف عنك
قالت : تهونين من مشكلتي حتى قبل أن تسمعيها ؟!
قلت : بل أضعها في إطارها الصحيح ..
قالت : وما هو إطارها الصحيح يا فيلسوفة؟؟
1
2
3
قلت : هي مشكلة من مشاكل الحياة ..والحياة لا تخلو من مشاكل لأنها دار امتحان وابتلاء ..هكذا أراد لها الله الذي خلقها..
قالت : كلا ..أخطأت فإن كانت الدنيا دار ابتلاء فلا يعني ذلك أن نخلق لبعضنا مشاكل ونقول هذه هي سنة الحياة ..
قلت : أكيد أنني أتفق معك وأنا لم أقصد ما فهمته أنت ..
قالت : وماذا تقصدين إذن؟؟
قلت : أقصد ما قالته إحدى المستشارات الاجتماعيات -وكنت من المتتبعات لاستشاراتها فترة من الزمن -كانت تقول: إن السعادة الكاملة ليست فوق الأرض ولكن هناك في الجنة ..
وهذا الكلام على بساطته يعني الكثير ..
قالت: لا أرى في هذا الكلام ما يهدئ من غيظي وحنقي بسبب مشكلتي
قلت : لأنك تريدين أن تريها كذلك .
قالت : ههه هل تتعمدين إثارة غضبي أم سخريتي؟
قلت : لا هذا ولا ذاك ولكني أبصرك بأمور لا ترينها ..
قالت : كيف وأنت لا تعيشين مشكلتي ولا دراية لك بها؟
قلت : إن لم تكن لي دراية بمشكلتك فأنا عشت مشاكلي الخاصة وبعضها لم يكن يسيرا بل كان تمحيصا حقيقيا ولكني تجاوزت المرحلة الأصعب …
قالت : ربما أنت أقوى مني أو ربما مشاكلك أهون من مشاكلي ..
قلت : بل إن هذه النظرة الطاغية بأن مشكلتك كبيرة وضخمة هي التي تجعل منها مشكلة ضخمة ألا يقول مثلنا الدارج : “كبرها تكبر ، صغرها تصغار “؟
فنظرتك للمشكلة هي ما تجعلها فعلا كبيرة أو تجعلها بسيطة أو على الأقل تعطيها حجمها الصحيح ..
قالت : إنها أول مرة أفهم فيها هذا المثل بالشكل الذي أوضحته..
قلت : يا حبيبتي إن بدأت تسمعين مني فهذا أول الغيث ..
قالت : كيف ؟ هل أصبحت مستشارة اجتماعية ؟
قلت : لا ..ولكنك حينما تسمعين من الآخر فأنت تخرجين من القوقعة التي “حشرت “نفسك داخلها ..
ثم إن لي بعضا من تجارب في الحياة لا أتوانى عن مقاسمتها مع من أحب علهن يجدن فيها ما ينير بصيرتهن ويخفف بعضا مما يعانين ..
قالت : وأخيرا تعترفين إذن بأنني أعاني ..
قلت : لم أنكر ذلك أبدا ولكن معاناتك مضاعفة بسبب فكرتك التي تحملينها في رأسك ..
فمشكلتك ليست هي السبب الوحيد في معاناتك ..بل ما تحملينه من أفكار هو أيضا سبب في المعاناة
قالت : تذكرينني بحالي قبل عشر سنوات قبل أن أتزوج كنت أقول : زواجي سيكون حلا لكل مشكلاتي ومهما ستظهر لي من عقبات فسأتجاوزها لأنها لا تساوي جزءا من مشكلتي آنذاك ..
ولكني للأسف كنت مخطئة ..
قلت : نعم كنت مخطئة لأنك لم تضعي مشكلتك في حجمها الحقيقي واعتبرتها نهاية العالم ..ثم ظننت أن كل ما سيأتي بعدها سيكون أهون منها ..
قالت : نعم بالفعل ذلك ما كنت أعتقده .
قلت : ثم حين جاءت فرصة الزواج ظننتها سفينة النجاة فخاب ظنك وعدت للمعاناة من جديد ..
قالت : كأنك كنت معي ..
قلت : إنها تجارب إنسانية مشتركة ..إن لم نعشها حقيقة فهناك من يعيشها بداخل وسطنا الاجتماعي القريب..
إن مشاكلنا مشتركة فمنا من يتعامل معها بعقل فيخرج منها سالما معافى.. ومنا من يحاول ويحاول فينجح مرة ويفشل أخرى ..ومنا من يعيش فيها على الدوام بسبب قلة وعيه بسير الأمور ..
قالت : سبحان الله !اللهم ارزقنا العقل والحكمة يا رب ..
قلت : نعم قد عرفت الطريق الآن ..بما أنك وجهت خطابك في هذه المرة إلى السماء ..
قالت : اللهم اكشف ما بي من غمة ويسر لي أمري وكل من سألك مثلي الدعاء ..
قلت: اللهم آمين .
انتهى