ناس الغيوان هي واحدة من أكثر الفرق الموسيقية تأثيرًا في المغرب والعالم العربي، حيث قدمت موسيقى تجريبية تجمع بين التقاليد المغربية والأفكار الثورية. تأسست في ستينيات القرن العشرين في حي درب السلطان بالدار البيضاء، وحققت نجاحًا كبيرًا من خلال تقديم أعمال تجمع بين التراث الشعبي والرسائل الاجتماعية والسياسية القوية. كانت الفرقة من أوائل المجموعات التي استخدمت الموسيقى كوسيلة للتعبير عن مشاعر الجماهير وأحلامها.
1
2
3
بداية ناس الغيوان وتأسيسها
تأسست مجموعة ناس الغيوان في عام 1970 على يد مجموعة من الفنانين الشباب الذين كانوا يطمحون إلى تقديم شيء مختلف عن الموسيقى التقليدية السائدة آنذاك. الأعضاء المؤسسون مثل بوجميع، والعربي باطما، وعمر السيد، وعبد الرحمن قيروش (المعروف بـ “باكو”)، كانوا من رواد المزج بين الموسيقى التقليدية المغربية والموسيقى الحديثة بأسلوب يعكس نبض الشارع. كان للفن المسرحي أيضًا دور مهم في تشكلهم الفني، حيث استلهموا من تجاربهم في المسرح المغربي والتعبير المسرحي الشعبي.
الأسلوب الموسيقي والتأثير الثقافي
تميزت موسيقى ناس الغيوان بتنوعها وإبداعها، حيث استخدمت المجموعة الآلات التقليدية مثل “البانجو”، “القمبري”، و”الطام طام”، جنبًا إلى جنب مع الإيقاعات الحديثة، مما جعل موسيقاهم تجذب جماهير واسعة من مختلف الأعمار والخلفيات الاجتماعية. استطاعت الفرقة توصيل رسائل عميقة تعكس هموم الشعب المغربي، مثل قضايا الفقر والحرية والعدالة الاجتماعية، من خلال كلمات بسيطة ولكنها مؤثرة. كانت الأغاني مثل “فين غادي بيا خويا” و”الصينية” تعبيراً حقيقياً عن واقع المجتمع المغربي آنذاك، مما جعل الفرقة أيقونة في الوجدان الشعبي.
الرسائل الاجتماعية والسياسية في أغانيهم
لعبت ناس الغيوان دورًا مهمًا في تشكيل الوعي السياسي والاجتماعي في المغرب خلال فترة السبعينيات والثمانينيات. كانت كلمات أغانيهم تحمل رسائل واضحة ضد الظلم الاجتماعي والاستبداد السياسي. استطاعوا من خلال فنهم أن يكونوا صوتًا للطبقة الكادحة، ويعبروا عن التطلعات والآمال التي لم يكن مسموحًا التعبير عنها بشكل مباشر في تلك الفترة. وقد جذبت هذه الرسائل جمهوراً واسعاً من الشباب الباحثين عن التغيير، مما جعل ناس الغيوان رمزًا للمقاومة الثقافية والفكرية.
ناس الغيوان وتطوير غناء المجموعات في المغرب
تعتبر ناس الغيوان رائدة في تطوير فن “غناء المجموعات” في المغرب، وهو نمط موسيقي يعتمد على الأداء الجماعي والتناغم بين الأصوات والإيقاعات. من خلال تقديمهم لهذا النمط الجديد من الغناء، ألهمت الفرقة العديد من المجموعات الموسيقية التي ظهرت فيما بعد، مثل مجموعة “جيل جيلالة” و”المشاهب”. وقد ساهمت ناس الغيوان في إعادة إحياء الفولكلور المغربي وتحديثه، مما جعل الموسيقى المغربية التقليدية محبوبة وملهمة لجيل جديد من الموسيقيين.
تأثيرهم الدولي والاعتراف العالمي
لم يكن تأثير ناس الغيوان مقتصرًا على المغرب فحسب، بل امتد إلى خارج حدوده، حيث أصبحت موسيقاهم محبوبة في العديد من الدول العربية والأفريقية والأوروبية. في السبعينيات، أطلقت الفرقة جولات موسيقية في فرنسا ودول أوروبية أخرى، وحظيت باهتمام واسع من قبل النقاد والجمهور الأجنبي. كما وُصفت الفرقة بأنها “رولينغ ستونز” العالم العربي بسبب قدرتها على جذب جماهير من مختلف الجنسيات والخلفيات الثقافية.
الاستمرارية والإرث الثقافي
رغم وفاة بعض الأعضاء المؤسسين مثل بوجميع والعربي باطما، فإن ناس الغيوان استطاعت الاستمرار في تقديم عروض موسيقية حتى اليوم، مما يؤكد على قوة إرثهم الفني. الجيل الجديد من الموسيقيين في المغرب يواصلون استلهامهم من روح ناس الغيوان في خلق موسيقى تعبر عن المجتمع وتعزز الهوية الثقافية.
الخاتمة
ناس الغيوان ليست مجرد فرقة موسيقية؛ بل هي ظاهرة ثقافية وفنية أحدثت تغييراً جذرياً في الموسيقى المغربية والعربية. من خلال دمجهم بين الموسيقى التقليدية والرسائل العميقة، نجحوا في تقديم فن متميز يعبر عن هوية وثقافة الشعب المغربي. إن إرثهم الموسيقي لا يزال يلهم الأجيال الجديدة ويؤكد على أهمية الموسيقى في توحيد الناس ونقل القصص الحقيقية عن معاناتهم وآمالهم.