تتزايد الضغوط النفسية في ظل التطورات التقنية المتسارعة، حيث أصبح التركيز في مجالات العمل، مثل الجراحة، ينصب بشكل متزايد على المهارات الذهنية بدلا من المهارات البدنية. في هذا السياق، تعكس غرفة جراحة العين التغيرات التي شهدتها بيئات العمل الحديثة، إذ تراجعت الحاجة إلى الجهد البدني لصالح المجهود الذهني. وهذا التوجه يشير إلى أن الدماغ بات أكثر عرضة للمخاطر المهنية من أي وقت مضى.
1
2
3
تشير الإحصاءات إلى أن نسبة كبيرة من الإجازات المرضية في المملكة المتحدة في عام 2017/2018 كانت نتيجة للضغط النفسي والاكتئاب. بينما أظهرت دراسات على الفئران أن التعرض لفترات قصيرة من الضغط النفسي يمكن أن يحسن الأداء المعرفي على المدى القصير. وقد قدم هانز سيلي، الطبيب المجري الكندي، التعريف الأول لمصطلح “الضغط النفسي” في الثلاثينيات من القرن الماضي، مما أرسى أساسا للأبحاث التي تناولت الاستجابات الفسيولوجية تجاه العوامل الضاغطة.
تشير الأبحاث إلى أن الاستجابات الجسدية الناتجة عن الضغط النفسي، مثل زيادة مقاومة الإنسولين نتيجة القفز بالحبال، أو زيادة الالتهابات بعد إلقاء محاضرة أمام جمهور، تلعب دورا في حماية الجسم من التهديدات. هذه الاستجابات، التي قد تبدو سلبية في البداية، قد تساعد على تحسين الأداء العقلي بعد زوال مسببات الضغط.
ومع ذلك، يمكن أن تؤدي الضغوط المستمرة أو الشديدة إلى إجهاد طويل المدى، مما يسبب تغيرات في الجسم والعقل. يشير الباحثون إلى أن التعرض المتكرر للضغوط قد يحدث اضطرابات صحية، ويؤدي إلى مشكلات في الوظائف الفسيولوجية والنفسية. الجهاز العصبي يلعب دورا محوريا في تنظيم الاستجابات، ولكن إذا استمرت هذه الاستجابات دون سبب، فإنها قد تزيد من مخاطر الإصابة بمشاكل صحية مثل ارتفاع ضغط الدم.
تشير الدراسات إلى أن الضغط النفسي المزمن قد يؤدي إلى تغيرات في بنية الدماغ، حيث لوحظ اختلافات بين أدمغة الأشخاص الذين يعانون من الضغوط وأدمغة الأصحاء. على سبيل المثال، تكون القشرة الأمامية الجبهية أرق لدى من يعانون من الضغوط، بينما تكون اللوزة أكثر سمكا. وقد أظهرت الأبحاث أن التحسينات في سمك القشرة الأمامية الجبهية بعد العلاج تشير إلى تأثير الضغوط على التركيبة الدماغية.
تتأثر الذاكرة بشكل سلبي بزيادة مستويات الكورتيزول، وهو هرمون يفرزه الجسم استجابة للضغوط، مما يؤثر على كفاءة الدماغ في كافة الأعمار. هذا التدهور قد يعزى إلى كيفية استجابة الدماغ للمواقف الضاغطة، إذ أن الأحداث الانفعالية تؤثر على النشاط العقلي.
تتأثر الضغوط النفسية أيضا بنمط التفكير، حيث يمكن أن تؤدي الأفكار السلبية المتكررة إلى توتر دائم. وقد أظهرت الأبحاث أن التمرينات الذهنية مثل التأمل والاستغراق الذهني يمكن أن تساعد في تقليل مستويات الضغط النفسي وتحسين التحكم في الانفعالات.
تتداخل العوامل الاجتماعية في التأثير على مستويات الضغط النفسي، حيث يمكن أن يؤدي الشعور بعدم المساواة أو المنافسة إلى تفاقم التوتر. كما أن شعور الأفراد بأن ما يبذلونه من مجهود لا يتناسب مع العائدات يؤدي إلى ضغوط طويلة الأمد، كما بينت دراسات على العاملين في مجالات متعددة.
تحسن العوامل البيئية مثل الخروج إلى الطبيعة من حالة الضغط النفسي، حيث تساعد ممارسة الرياضة وتجنب الأطعمة المعالجة في تقليل مستويات التوتر. تشير الدراسات إلى أن التركيبة الميكروبية في الأمعاء قد تؤثر أيضا على كيفية استجابة الدماغ للضغوط.