التراث المغربي تحت تهديد السرقة والاستيلاء الثقافي وجهود الدولة لحمايته

يعد التراث الثقافي جزء أساسيًا من الهوية الوطنية لأي شعب، وفي المغرب، يُعتبر هذا التراث من أقدم وأغنى التراثات في العالم. فهو يشمل كافة جوانب الحياة المغربية من فنون، موسيقى، أزياء، مأكولات، وأماكن تاريخية. إلا أن هذا التراث لم يسلم من محاولات السرقة والانتقاص من قيمته من قبل أطراف أخرى تسعى إلى استغلاله تجاريًا أو ثقافيًا دون الاعتراف بأصله. وبالرغم من هذه التحديات، تعمل الدولة المغربية جاهدة لحماية هذا التراث من السرقات الثقافية وضمان صونه للأجيال القادمة.
من أبرز المجالات التي تعرضت للسرقة هي الحرف اليدوية المغربية، مثل السجاد الفاسي والفخار والنحاس. هذه الحرف التي تتميز بالدقة والمهارة العالية، بدأت تتعرض لتقليد من قبل بعض الدول أو شركات دولية تُعيد تسويق هذه المنتجات تحت أسماء مختلفة دون الإشارة إلى أصلها المغربي. يتم الترويج لهذه المنتجات في الأسواق العالمية، ما يساهم في تقليد التراث المغربي ولكن دون تقدير لجهود الحرفيين المغاربة الذين أسهموا في الحفاظ على هذه الحرف لأجيال طويلة.
لقد شهدت أيضًا الموسيقى المغربية محاولات متكررة للاستيلاء على جزء من ثروتها الثقافية. أنواع موسيقية مثل “الراي” و”العيطة”، التي تعتبر جزءًا من التراث الموسيقي المغربي، تم تبنيها أحيانًا من قبل دول أخرى دون الاعتراف بمصدرها الأصلي. في بعض الحالات، تُعرض هذه الأنواع من الموسيقى في سياقات أخرى ويتم نسبها لدول أخرى في محاولات لتقليدها وتقديمها بشكل مختلف. إلا أن هذه المحاولات لم تمنع المغرب من بذل جهود مستمرة للحفاظ على حقوقه الثقافية.
تتعدى سرقة التراث المغربي إلى المأكولات التقليدية، التي أصبحت محط اهتمام عالمي. الطعام المغربي يتمتع بشهرة واسعة ويعتبر من أبرز عناصر الثقافة الوطنية. لكن، في الآونة الأخيرة، ظهرت محاولات لتقديم الأطباق المغربية تحت أسماء مختلفة أو بتعديل مكوناتها، مما يؤدي إلى فقدان النكهة الأصلية والطريقة التقليدية في التحضير. وهذه محاولات لتقليد المأكولات المغربية مع تجاهل السياق الثقافي لها.
وفي إطار حماية التراث المغربي من السرقة والسرقات الثقافية، تُبذل العديد من الجهود على مختلف الأصعدة. الحكومة المغربية، من خلال وزارة الثقافة والشباب، تعمل بشكل مستمر على حصر وتوثيق التراث الثقافي الوطني وحمايته. إحدى أبرز المبادرات كانت إعلان العديد من الفنون والممارسات الثقافية المغربية كـ “تراث غير مادي” في قائمة التراث الثقافي العالمي التابع لليونسكو. هذا الإعلان يساعد في تعزيز مكانة التراث المغربي ويمنح حماية قانونية دولية لهذا التراث ضد محاولات الاستيلاء.
علاوة على ذلك، تولي الدولة اهتمامًا كبيرًا بتعزيز السياحة الثقافية، حيث تروج للمعالم التاريخية والحرف التقليدية المغربية بشكل رسمي من خلال حملات إعلامية ومشاركات في المعارض الدولية. الهدف من هذه الحملات ليس فقط الترويج للتراث المغربي ولكن أيضًا للتأكيد على أصالة هذا التراث وعدم السماح بالسرقة الثقافية. من خلال هذه الجهود، يسعى المغرب إلى زيادة الوعي الدولي حول القيمة الثقافية والتراثية للأشياء التي تعتبر جزءًا لا يتجزأ من هوية الشعب المغربي.
على مستوى آخر، تساهم وزارة الثقافة في تشجيع ودعم الحرفيين والفنانين المغاربة من خلال برامج تعليمية وتدريبية لضمان استمرار إحياء وتطوير هذه الحرف التقليدية. كما تُنظم مسابقات ومعارض محلية ودولية لعرض المنتجات التراثية المغربية الأصلية، بهدف تعزيز الفخر الوطني وجذب الاهتمام العالمي إليها.
أما فيما يتعلق بالملابس التقليدية مثل “الجلباب” و”الجلابة” و”البلغة”، التي تُعد جزءًا من الهوية المغربية، فقد عملت الحكومة على تنظيم معارض وفعاليات دولية للتعريف بهذه الأزياء مع التأكيد على منشأها المغربي. كما تسعى الدولة إلى حماية هذه المنتجات من التقليد عبر تسجيلها كعلامات تجارية محمية قانونيًا، الأمر الذي يساهم في الحفاظ على حقوق المصممين والحرفيين المغاربة.
مواقع التراث الثقافي، مثل المدن العتيقة في فاس، مراكش، والرباط، هي الأخرى محط اهتمام الحكومة المغربية. فقد تم إدراج هذه المدن في قائمة التراث العالمي لليونسكو لحمايتها من أي محاولات استيلاء أو تشويه. بالإضافة إلى ذلك، هناك جهود كبيرة للحفاظ على هذه المواقع عبر ترميمها بشكل مستدام وتوفير الدعم المالي والفني للحفاظ على أصالتها.
لا يقتصر الأمر على التصدي لمحاولات السرقة فقط، بل تعمل الحكومة أيضًا على نشر الوعي بين المواطنين والمجتمع الدولي حول أهمية الحفاظ على التراث. من خلال برامج تعليمية وتوعوية، تسعى وزارة الثقافة إلى تعزيز شعور الانتماء لدى الأجيال الجديدة تجاه هذا التراث وحثهم على الحفاظ عليه وعدم السماح بفقدان هويته.
في النهاية، يمكن القول إن حماية التراث المغربي من السرقة الثقافية تعد مسؤولية جماعية تتطلب جهودًا متواصلة من جميع الأطراف المعنية. بفضل مبادرات الحكومة المغربية واهتمام المجتمع الدولي، يمكن الحفاظ على هذا التراث الثمين وضمان استمراره كجزء من هوية المغرب الثقافية، وهو ما يستدعي دعم الجميع في الحفاظ على أصالة التراث المغربي وحقوقه الثقافية.

1

2

3

التراث المغربي تحت تهديد السرقة والاستيلاء الثقافي وجهود الدولة لحمايته