إحياء تقاليد رأس السنة الأمازيغية باحتفالات تجسد التمسك بالهوية الثقافية

مع بداية كل عام جديد وفق التقويم الأمازيغي، تتجدد احتفالات رأس السنة الأمازيغية في مختلف المناطق المغربية، وخاصة في مدينة خنيفرة التي تعد من أبرز المدن التي تحتفل بهذا التقليد العريق. وعندما يهل “إيض يناير”، يعود سكان المنطقة إلى جذورهم الثقافية، مستذكرين تقاليد الأجداد التي تتجلى في تفاصيل الحياة اليومية من طعام وملابس وعادات، مع تفاعل مميز بين الماضي والحاضر.
تعد هذه الاحتفالات فرصة للمجتمع المحلي لإظهار التمسك بالهوية الأمازيغية العميقة، حيث يتناغم الحاضر مع الماضي في محاكاة تامة للطقوس القديمة. من بين هذه الطقوس، نجد أن النساء في منطقة حد بوحسوسن الجبلية ينظمن احتفالات تحاكي ما كان يقوم به الأجداد، فيأخذن على عاتقهن تحضير أطباق تقليدية بأيدٍ أمازيغية ماهرة. يرتدين أزياء أمازيغية مزخرفة بألوان زاهية تشهد على التنوع الجمالي لهذه الثقافة الأصيلة، في مشهد يعكس الأناقة والتراث.
عند حلول الظهيرة، تشرع النساء في تحضير الأطباق التقليدية التي تشتهر بها هذه المناسبة، والتي تتمثل في أطعمة مميزة تحمل في طياتها ذكريات جماعية عميقة. تتناغم النكهات في الأطباق المختلفة، مثل الكسكس المعد يدويًا، الذي يزخر بالخضار الطازجة والتوابل المتنوعة. إضافة إلى ذلك، يتم تحضير أطباق تتنوع بين اللحوم الطازجة والخضار التي تحمل رمزية العلاقة الوثيقة بين الإنسان والطبيعة، مما يجعل من “إيض يناير” مناسبة تتجسد فيها الخصوبة والوفرة التي توفرها الأرض.
في المساء، تكون الموائد قد امتلأت بالأطباق المتنوعة التي تم إعدادها طبقًا للتقاليد الأمازيغية العريقة. تشهد هذه الموائد على كرم قبائل زيان واحتفائها بالتعايش والمشاركة في الحياة الاجتماعية. وعلاوة على ذلك، تكشف عن عمق العلاقات الأسرية والمجتمعية التي تنبض بالحياة في هذه المناسبات، حيث تتضافر الجهود لنقل التراث إلى الأجيال الجديدة.
وفي تصريح لها لوكالة المغرب العربي للأنباء، تحدثت السيدة سعاد ميموني، الناشطة الجمعوية من حد بوحسوسن، عن أهمية هذه الاحتفالات بالنسبة لسكان المدينة. وقالت إن “إيض يناير” لا يشكل مجرد بداية عام جديد بل هو أيضًا مناسبة لتعزيز التماسك الاجتماعي ونقل التراث الثقافي الأمازيغي. وأكدت أن هذا الحدث يعكس تمسك السكان بهويتهم الأمازيغية، خاصةً مع تزامن هذا العام مع ليلة 14 يناير وفقًا للتقويم الميلادي.
وقد أكدت السيدة ميموني أيضًا أن النساء في هذا اليوم يتزين بأجمل الأزياء الأمازيغية التي تعكس رمزية فخامة التراث الأمازيغي وتقديره. وتعتبر هذه المناسبة فرصة للتقارب بين أفراد الأسرة وتعزيز الروابط بين الأجيال المختلفة. كما أضافت أن الاحتفال بعيد “إيض يناير” يعكس أيضًا الرغبة في الحفاظ على تقاليد الطهي التي تنفرد بها المنطقة، مثل طبق الكسكس بالخضار و”هربر” الذي هو حساء من الشعير والزيتون.
من الجدير بالذكر أن هذا الاحتفال يعكس التمسك العميق للسكان بتقاليدهم العريقة، والتي تتمثل في طقوس الطهي التي تروي قصة تاريخ طويل من ارتباط الإنسان بالأرض. وتشكل هذه المناسبة فرصة لتذكير الجيل الجديد بهذه التقاليد القيمة، كما تبين أيضًا رغبة سكان منطقة الأطلس المتوسط في الحفاظ على هذا التراث الأصيل.
وبالنسبة لمدينة خنيفرة وسكانها، فإن “إيض يناير” ليس مجرد عيد، بل هو احتفال يعبر عن الفخر بالهوية الأمازيغية والتنوع الثقافي الذي يميز المملكة المغربية. يعتبر هذا اليوم بمثابة لحظة فرح يعبر فيها الجميع عن تقديرهم لهذه الهوية المشتركة، سواء من خلال الطقوس الشعبية أو عبر الاحتفالات العائلية والاجتماعية.

1

2

3

إحياء تقاليد رأس السنة الأمازيغية باحتفالات تجسد التمسك بالهوية الثقافية